فصل: القراءات والوقوف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.القراءات والوقوف:

قال نظام الدين النيسابوري:

.القراءات:

{شانيك} بالياء: يزيد والشموني وحمزة في الوقف.
وقرأ قتيبة ونصير مهموزًا ممالة.

.الوقوف:

{الكوثر} o ط {وانحر} o ط {الأبتر} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)}
اعلم أن هذه السورة على اختصارها فيها لطائف:
إحداها: أن هذه السورة كالمقابلة للسورة المتقدمة، وذلك لأن في السورة المتقدمة وصف الله تعالى المنافق بأمور أربعة: أولها: البخل وهو المراد من قوله: {يَدُعُّ اليتيم وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين} [الماعون: 2، 3].
الثاني: ترك الصلاة وهو المراد من قوله: {الذين هُمْ عَن صلاتهم سَاهُونَ} [الماعون: 5] والثالث: المراءاة في الصلاة هو المراد من قوله: {الذين هُمْ يُرَاءونَ} [الماعون: 6] والرابع: المنع من الزكاة وهو المراد من قوله: {وَيَمْنَعُونَ الماعون} [الماعون: 7] فذكر في هذه السورة في مقابلة تلك الصفات الأربع صفات أربعة، فذكر في مقابلة البخل قوله: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} أي إنا أعطيناك الكثير، فأعط أنت الكثير ولا تبخل، وذكر في مقابلة: {الذين هُمْ عَن صلاتهم سَاهُونَ} قوله: {فَصَلِّ} أي دم على الصلاة، وذكر في مقابلة: {الذين هُمْ يُرَاءونَ} قوله: {لِرَبّكِ} أي ائت بالصلاة لرضا ربك، لا لمراءاة الناس، وذكر في مقابلة: {وَيَمْنَعُونَ الماعون} قوله: {وانحر} وأراد به التصدق بلحم الأضاحي، فاعتبر هذه المناسبة العجيبة، ثم ختم السورة بقوله: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر} أي المنافق الذي يأتي بتلك الأفعال القبيحة المذكورة في تلك السورة سيموت ولا يبقى من دناه أثر ولا خبر، وأما أنت فيبقى لك في الدنيا الذكر الجميل، وفي الآخرة الثواب الجزيل.
والوجه الثاني: في لطائف هذه السورة أن السالكين إلى الله تعالى لهم ثلاث درجات: أعلاها أن يكونوا مستغرقين بقلوبهم وأرواحهم في نور جلال الله.
وثانيها: أن يكونوا مشتغلين بالطاعات والعبادات البدنية.
وثالثها: أن يكونوا في مقام منع النفس عن الانصباب إلى اللذات المحسوسة والشهوات العاجلة، فقوله: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} إشارة إلى المقام الأول وهو كون روحه القدسية متميزة عن سائر الأرواح البشرية بالكم والكيف.
أمابالكم فلأنها أكثر مقدمات، وأما بالكيف فلأنها أسرع انتقالا من تلك المقدمات إلى النتائج من سائر الأرواح، وأما قوله: {فَصَلّ لِرَبّكَ} فهو إشارة إلى المرتبة الثانية، وقوله: {وانحر} إشارة إلى المرتبة الثالثة، فإن منع النفس عن اللذات العاجلة جار مجرى النحر والذبح، ثم قال: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر} ومعناه أن النفس التي تدعوك إلى طلب هذه المحسوسات والشهوات العاجلة، أنها دائرة فانية، وإنما الباقيات الصالحات خير عند ربك، وهي السعادات الروحانية والمعارف الربا نية التي هي باقية أبدية.
ولنشرع الآن في التفسير قوله تعالى: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} اعلم أن فيه فوائد:
الفائدة الأولى: أن هذه السورة كالتتمة لما قبلها من السور، وكالأصل لما بعدها من السور.
أما أنها كالتتمة لما قبلها من السور، فلأن الله تعالى جعل سورة والضحى في مدح محمد عليه الصلاة والسلام وتفصيل أحواله، فذكر في أول السورة ثلاثة أشياء تتعلق بنبوته أولها: قوله: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قلى}.
وثانيها: قوله: {وَلَلأَخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الأولى} [الضحى: 4].
وثالثها: {ولسوف يُعْطِيكَ رَبُّكَ فترضى} ثم ختم هذه السورة بذكر ثلاثة أحوال من أحواله عليه السلام فيما يتعلق بالدنيا وهي قوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فآوى وَوَجَدَكَ ضالا فهدى وَوَجَدَكَ عائلا فأغنى}
[الضحى: 6-8] ثم ذكر في سورة: {أَلَمْ نَشْرَحْ} أنه شرفه بثلاثة أشياء أولها: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صدرك}.
وثانيها: {وَوَضَعْنَا عَنكَ وزرك الذي أنقض ظهرك}.
وثالثها: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذكرك}.
ثم إنه تعالى شرفه في سورة: التين بثلاثة أنواع من التشريف أولها: أنه أقسم ببلده وهو قوله: {وهذا البلد الأمين}.
وثانيها: أنه أخبر عن خلاص أمته عن النار وهو قوله: {إِلاَّ الذين ءامَنُواْ}.
وثالثها: وصولهم إلى الثواب وهو قوله: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ ممنون}.
ثم شرفه في سورة اقرأ بثلاثة أنواع من التشريفات أولها: {اقرأ باسم رَبّكَ} أي اقرأ القرآن على الحق مستعينًا باسم ربك.
وثانيها: أنه قهر خصمه بقوله: {فَلْيَدْعُ ناديه سَنَدْعُ الزبانية}.
وثالثها: أنه خصه بالقربة التامة وهو: {واسجد واقترب}.
وشرفه في سورة القدر بليلة القدر التي لها ثلاثة أنواع من الفضيلة أولها: كونها: خَيْرًا مّن ألف شهر.
وثانيها: نزول: الملائكة والروح فِيهَا.
وثالثها: كونها: سَلاَمًا حتى مَطْلَعِ الفجر.
وشرفه في سورة: لَمْ يَكُنِ بأن شرف أمته بثلاثة تشريفات أولها: أنهم: خَيْرُ البرية.
وثانيها: أن جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ جنات.
وثالثها: رضا الله عنهم.
وشرفه في سورة إذا زلزلت بثلاث تشريفات: أولها: قوله: {يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا} وذلك يقتضي أن الأرض تشهد يوم القيامة لأمته بالطاعة والعبودية.
والثاني: قوله: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ الناس أَشْتَاتًا لّيُرَوْاْ أعمالهم} وذلك يدل على أنه تعرض عليهم طاعاتهم فيحصل لهم الفرح والسرور.
وثالثها: قوله: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} ومعرفة الله لا شك أنها أعظم من كل عظيم فلابد وأن يصلوا إلى ثوابها ثم شرفه في سورة العاديات بأن أقسم بخيل الغزاة من أمته فوصف تلك الخيل بصفات ثلاث: {والعاديات ضَبْحًا فالموريات قَدْحًا فالمغيرات صُبْحًا}.
ثم شرف أمته في سورة القارعة بأمور ثلاثة أولها: فمن ثقلت موازينه.
وثانيها: أنهم في عيشة راضية.
وثالثها: أنهم يرون أعداءهم في نار حامية.
في شرفه ثم سورة الهاكم بأن بين أن المعرضين عن دينه وشرعه يصيرون معذبين من ثلاثة أوجه أولها: أنهم يرون الجحيم.
وثانيها: أنهم يرونها عين اليقين.
وثالثها: أنهم يسألون عن النعيم.
ثم شرف أمته في سورة والعصر بأمور ثلاثة أولها: الإيمان: {إِلاَّ الذين ءامَنُواْ}.
وثانيها: {وعملوا الصالحات}.
وثالثها: إرشاد الخلق إلى الأعمال الصالحة، وهو التواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
ثم شرفه في سورة الهمزة بأن ذكر أن من همز ولمز، فله ثلاثة أنواع من العذاب أولها: أنه لا ينتفع بدنياه ألبتة، وهو قوله: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلاَّ}.
وثانيها: أنه ينبذ في الحطمة.
وثالثها: أنه يغلق عليه تلك الأبواب حتى لا يبقى له رجاء في الخروج، وهو قوله: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مؤصدة}.
ثم شرف في سورة الفيل بأن رد كيد أعدائه في نحرهم من ثلاثة أوجه أولها: جعل كيدهم في تضليل.
وثانيها: أرسل عليهم طير أبابيل.
وثالثها: جعلهم كعصف مأكول.
ثم شرفه في سورة قريش بأنه راعى مصلحة أسلافه من ثلاثة أوجه أولها: جعلهم مؤتلفين متوافقين لإيلاف قريش.
وثانيها: أطعمهم من جوع.
وثالثها: أنه آمنهم من خوف.
وشرفه في سورة الماعون، بأن وصف المكذبين بدينه بثلاثة أنواع من الصفات المذمومة أولها: الدناءة واللؤم، وهو قوله: {يَدُعُّ اليتيم وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين}.
وثانيها: ترك تعظيم الخالق، وهو قوله: {عَن صلاتهم سَاهُونَ الذين هُمْ يُرَاءونَ}.
وثالثها: ترك انتفاع الخلق، وهو قوله: {وَيَمْنَعُونَ الماعون}.
ثم إنه سبحانه وتعالى لما شرفه في هذه السور من هذه الوجوه العظيمة، قال بعدها: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} أي إنا أعطيناك هذه المناقب المتكاثرة المذكورة في السوره المتقدمة التي كل واحدة منها أعظم من ملك الدنيا بحذافيرها، فاشتغل أنت بعبادة هذا الرب، وبإرشاد عباده إلى ما هو الأصلح لهم، أما عبادة الرب فإما بالنفس، وهو قوله: {فَصَلّ لِرَبّكَ} وإما بالمال، وهو قوله: {وانحر} وأما إرشاد عباده إلى ما هو الأصلح لهم في دينهم ودنياهم، فهو قوله: {يا أَيُّهَا الكافرون لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} فثبت أن هذه السورة كالتتمة لما قبلها من السور، وأما أنها كالأصل لما بعدها، فهو أنه تعالى يأمره بعد هذه السورة بأن يكفر جميع أهل الدنيا بقوله: {قُلْ يا أَيُّهَا الكافرون لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} ومعلوم أن عسف الناس على مذاهبهم وأديانهم أشد من عسفهم على أرواحهم وأموالهم، وذلك أنهم يبذلون أموالهم وأرواحهم في نصرة أديانهم، فلا جرم كان الطعن في مذاهب الناس يثير من العداوة والغضب مالا يثير سائر المطاعن، فلما أمره بأن يكفر جميع أهل الدنيا، ويبطل أديانهم لزم أن يصير جميع أهل الدنيا في غاية العداوة له، وذلك مما يحترف عنه كل أحد من الخلق فلا يكاد يقدم عليه، وانظر إلى موسى عليه السلام كيف كان يخاف من فرعون وعسكره.
وأما هاهنا فإن محمدًا عليه السلام لما كان مبعوثًا إلى جميع أهل الدنيا، كان كل واحد من الخلق، كفرعون بالنسبة إليه، فدبر تعالى في إزالة هذا الخوف الشديد تدبيرًا لطيفًا، وهو أنه قدم على تلك السورة هذه السورة فإن قوله: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} يزيل عنه ذلك الخوف من وجوه:
أحدها: أن قوله: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} أي الخير الكثير في الدنيا والدين، فيكون ذلك وعدًا من الله إياه بالنصرة والحفظ، وهو كقوله: {يا أيها النبي حسبك الله} [الأنفال: 64] وقوله: {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} [المائدة: 67] وقوله: {إِلا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ الله} [التوبة: 4] ومن كان الله تعالى ضامنًا لحفظه، فإنه لا يخشى أحدا.
وثانيها: أنه تعالى لما قال: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} وهذا اللفظ يتناول خيرات الدنيا وخيرات الآخرة، وأن خيرات الدنيا ما كانت واصلة إليه حين كان بمكة، والخلف في كلام الله تعالى محال، فوجب في حكمة الله تعالى إبقاؤه في دار الدنيا إلى حيث يصل إليه تلك الخيرات، فكان ذلك كالبشارة له والوعد بأنهم لا يقتلونه، ولا يقهرونه، ولا يصل إليه مكرهم بل يصير أمره كل يوم في الازدياد والقوة.
وثالثها: أنه عليه السلام لما كفروا وزيف أديانهم ودعاهم إلى الإيمان اجتمعوا عنده، وقالوا: إن كنت تفعل هذا طلبًا للمال فنعطيك من المال ما تصير به أغنى الناس، وإن كان مطلوبك الزوجة نزوجك أكرم نسائنا، وإن كان مطلوبك الرياسة فنحن نجعلك رئيسًا على أنفسنا، فقال الله تعالى: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} أي لما أعطاك خالق السموات والأرض خيرات الدنيا والآخرة، فلا تغتر لما لهم ومراعاتهم ورابعها: أن قوله تعالى: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} يفيد أن الله تعالى تكلم معه لا بواسطة، فهذا يقوم مقام قوله: {وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] بل هذا أشرف لأن المولى إذا شافه عبده بالتزام التربية والإحسان كان ذلك أعلى مما إذا شافهه في غير هذا المعنى، بل يفيده قوة في القلب ويزيل الجبن عن النفس، فثبت أن مخاطبة الله إياه بقوله: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} مما يزيل الخوف عن القلب والجبن عن النفس، فقدم هذه السورة على سورة: {قُلْ يا أيها الكافرون} حتى يمكنه الاشتغال بذلك التكليف الشاق والإقدام على تكفير جميع العالم، وإظهار البراءة عن معبودهم فلما امتثلت أمري، فانظر كيف أنجزت لك الوعد، وأعطيتك كثرة الأتباع والأشياع، إن أهل الدنيا يدخلون في دين الله أفواجًا، ثم إنه لما تم أمر الدعوة وإظهار الشريعة، شرع في بيان ما يتعلق بأحوال القلب والباطن، وذلك لأن الطالب إما أن يكون طلبه مقصورًا على الدنيا، أو يكون طالبًا للآخرة، أما طالب الدنيا فليس له إلا الخسار والذل والهوان، ثم يكون مصيره إلى النار، وهو المراد من سورة تبت، وأما طالب الآخرة فأعظم أحواله أن تصير نفسه كالمرآة التي تنتقش فيها صور الموجودات، وقد ثبت في العلوم العقلية أن طريق الخلق في معرفة الصانع على وجهين: منهم من عرف الصانع، ثم توسل بمعرفته إلى معرفة مخلوقاته، وهذا هو الطريق الأشرف الأعلى، ومنهم من عكس وهو طريق الجمهور.
ثم إنه سبحانه ختم كتابه الكريم بتلك الطريق التي هي أشرف الطريقين، فبدأ بذكر صفات الله وشرح جلاله، وهو سورة: {قُلْ هُوَ الله أحد} ثم أتبعه بذكر مراتب مخلوقاته في سورة: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الفلق} ثم ختم بذكر مراتب النفس الإنسانية، وعند ذلك ختم الكتاب، وهذه الجملة إنما يتضح تفصيلها عند تفسير هذه السورة على التفصيل، فسبحان من أرشد العقول إلى معرفة هذه الأسرار الشريفة المودعة في كتابه الكريم.
الفائدة الثانية: في قوله: {إِنَّا أعطيناك الكوثر} هي أن كلمة: {إِنّا} تارة يراد بها الجمع وتارة يراد بها التعظيم.